الدكتور رضوان غنيمي : إساءة فرنسا إلى سيد الخلق ..علامة إفلاس حضاري وثقافي وإنساني أصابها

جريدة المنبر المغربية ..بقلم الدكتور رضوان غنيمي ..أستاذ التعليم العالي بجامعة بن زهر أكادير ..

قال الإمام المقري في الإضاءة

وانعقد الإجماع أن المصطفى                    خير خلق الله والخلف انتفى

لا يخالف أحد أنه لم يسلم نبي مرسل ولا رجل مصلح جهر بدعوته وأظهر عوار قوم من أن يُكذّب ويُتّهم ويُؤدى في عرضه ونفسه وماله،…ومحمد صلى الله عليه وسلم ليس بدعا من الرسل في هذه السنة الإلهية التي جرت على من اصطفاهم الله لتبليغ رسالاته، بل كان له صلى الله عليه وسلم النصيب الأكبر منها حتى إن محاولة إيذائه والإساءة إليه استمرت حتى بعد وفاته عليه صلاة الله وسلامه منذ أزيد من  ألف وأربع مائة عام، وهذا لعمري رأس الحقد ومنبع والكراهية و أصل التطرف، والمتتبع المستقري لهذه المحاولات البئيسة يرى أن النصيب الأكبر فيها كان دائما من نصيب فرنسا ذات التاريخ الأسود تجاه المقدسات الدينية للمسلمين وعلى راسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وكانت تمعن في ذلك وتحاول التفنن فيه إثارة لمشاعر المسلمين وإمعانا في إيذائهم، وقد عبر الفرنسيون أكثر من مرة عن هذا الضيق الذي يستشعرونه تجاه الإسلام ورموزه بل تجاه كل ما هو ديني حتى نشرت  جريدة فرانس سوار في  1 فبراير 2006 صورا مسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع مقال بعنوان”نعم ، لدينا الحق في رسم صورة كاريكاتورية عن الله” .

وأرفقوا المقال بصورة كاريكاتيرية تظهر مجموعة من الآلهة فوق سحابة و الإله يقول: “لا تشكو يا محمد ، لقد تم تصويرنا جميعًا هنا”.

إن المسالة مع فرنسا في الإساءة إلى الإسلام ورموزه أكثر من مجرد موقف فردي اقترفه شخص بصفته الشخصية، بل كان الخطاب الرسمي دائما حاضرا لتثمين مثل هذه الانزلاقات المتطرفة التي تنم عن حقد دفين وعن نار محرقة تسعر صدورهم، ولطالما تحملنا حالة الانفصام التي تعيشها فرنسا ما بين قوانينها بخصوص ضرورة احترام حرية الصحافة من جهة والتنصيص على ممارسة الحرية “بروح من التسامح واحترام المعتقدات والأديان”. كما صرح بذلك وزير خارجيتها عقب نشر فرانس سوار صورها المسيئة لنبي الرحمة سنة 2006 إلى أن أصبح الأمر موقفا رسميا للدولة يصدح به كبيرهم ويدعوهم إلى الإمعان فيه.

في الحقيقة كل هذا الكلام ليس سوى مقدمة لما أريد الخوض فيه، وإلا فنحن لا ننتظر غير هذا من دولة لطالما استمدت روحها من معاناة الشعوب واقتاتت على دماء الاحرار والشرفاء ممن يذكرون فرنسا ضعفها وخسة طويتها، لذلك فإساءتهم اليوم إلى سيد الخلق وحبيب الحق إن دلت على شيء فإنما تدل على إفلاس أصاب فرنسا حضاريا وثقافيا وإنسانيا، وهي تحاول يائسة أن تقرر مركزية الرؤية الغربية لكل شيء جاهلة أن محاولاتها كسراب يحسبه الظمآن ماء، لكن على نفسها جنت براقش  إذ بفعلها هذا أيقظت شيئا كان في قلوب المسلمين نائما وكأنها نبهتهم إلى ضرورة تمحيص مواقفهم وتجليتها فانقلب السحر على الساحر، واستيقظ النائم وانتبه الغافل وأحيا كيد فرنسا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلوب المسلمين من جديد، ولسان حالهم يقول لها: “ستعلمُ إذا انجلى الغبارُ أفرسٌ تحتك أم حمار”.

أظن الوقت قد حان ليعلم الناس حقيقة خدعة الشعار المنمّق -الحرية والمساواة والأخوة-

كما حان الوقت لفرنسا أن تعلم أننا قد سئمنا من معاملتها لنا وفق مبدأ الكيل بمكيالين،وأنه لا يعقل أن ننبطح أمام تفاهاتهم ورعوناتهم، بدعوى الإذعان لحرية التعبير التي أصبحت سوطا مسلطا على أظهرنا تسحق به هاماتنا كلما أراد ناخب غربي أن يخطب ودّ ناخبيه أظهر عنترياته على المسلمين ورموز دينهم.

لكن خلف هذا كله سؤال كبير يملأ الصدر حتى يضيق به وهو: لم يتجرأ أمثال هؤلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يعلمون منزلته من المسلمين؟ وفي محاولة الإجابة عن هذا السؤال يضيق الصدر ولا ينطق اللسان، وبمرارة نقول: لولا تفريطنا في جنب رسول الله لما تطاول على قدسيته سقط الناس، للأسف نقول ظلم البعيد مقبول، بل لا يُنتظر منهم غيره لكن الذي لا يقبل هو حالنا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع سنته، ومع أوامره ونواهيه، بل ومع شريعته ابتداء، نعم نحن من وضع اللبنة الأولى في مسلسل الإساءات المتتالية لرسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث لا نعلم، نحن من غيب سيرته وسنته صلى الله عليه وسلم في إعلامنا، وتعليمنا، نحن من همش دور المنابر التي طالما حفظت لنا مقام رسول الله، وإلا فما كنا نسمع مثل هذه الاعتداءات السافرة على شخص محمد صلى الله عليه وسلم لما كانت القرويين حاضرة بالعلماء والفقهاء و كان الناس يشرفون بالانتساب إليها، ولما كان جامع الزيتونة  حاضرا بعلمائه ولما كان الأزهر حاضرا بعلمائه لكن لما أصبح التعليم العتيق وجهة من وجهة له، وأصبح يقال عن السنة النبوية ” إنها فقط سنة” وجدنا حينها من يتطاول على خير خلق الله، نعم نحن المقصرون، نحن من مهد الطريق للإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ينبغي أن يكون لسان حالنا كمقالة سعد بن معاذ رضي الله عنه زعيم الأنصار – وهو يقول يوم بدر : “يا رسول الله! لقد آمنَّا بك وصدَّقناك وأعطيناك على ذلك عُهودًا ومواثيق على السمع والطاعة، فأطع من حيث شِئت وصِل حبل من شِئت واقطع حبل من شِئت، وسالِم من شِئت وعادِ من شِئت، وخذ من أموالنا ما شِئت، وما أخذت كان أحب إلينا مما تركت”

أيها الناس عظموا شأن رسول الله في قلوب ابنائكم واعلموا أن أمة لا تدافع عن نبيها. ولا تنصر نبيها ولا تُعز نبيها هي أمة لا تستحق الانتساب إليه بل هي أمة باطن الأرض خير لها من ظهرها.

قال عياض:

ومـما زادني شـرفـاً وتـيــهـاً            وكدت بأخمصي أطأ الـثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي  وأن صـيَّرت أحمد لي نـبيـا




قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


8 + 1 =