بقلم الدكتور رضوان غنيمي ..أستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر بأكادير ..كلية العلوم الشرعية بالسمارة
إذا كان الناس في احتفالاتهم مترددون بين ذكرياتهم وأمجادهم ومحطات عزّهم الدينية تارة والوطنية تارة أخرى فإن من تمام نعم الله علينا أن تجتمع لدينا أيام الفرح الدينية والوطنية على التوالي وقد أظلتنا أيام مباركات تجمع بين مناسبتين عظيمتين قد أظلنا زمانهما وهما على التوالي عيد العرش المجيد ثم عيد الأضحى نحتفل بالعيد الأول وهو عيد العرش المجيد الذي تخلده المملكة المغربية في الثلاثين من يوليوز من كل عام ثم تليه مباشرة فرحة عيد الأضحى المبارك وما يعقبها من فضائل أيام التشريق.لاشك أن الوحدة والائتلاف مراد ومبتغى كل المجتمعات منذ فجر التاريخ، وقد سعت إلى تحقيق هذا المقصد الذي ينعم به المغاربة منذ القرن الثامن الميلادي، وفي إطار تساؤلنا عن كيفية تحقيق المغاربة لهذا الهدف؟ يأتي احتفالنا بذكرى وطنية غالية هي من آكد المحطات المشرقة في تاريخ هذا البلد وهي عيد العرش المجيد، وهي مناسبة جديرة بالوقوف عندها، واستجلاء دلالاتها ورمزيتها وأبعادها الحضارية، نستحضر من خلالها أمجادنا الخالدة لنجعل منها أساسا ومنطلقا لمستقبل نهضتنا العلمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية خلف سليل الأسرة العلوية أمير المؤمنين محمد السادس –حفظه الله-بل تتجاوز رمزية هذا الاحتفال كونه مجرد تنصيب ملك لتجعل منه مناسبة لتثبيت حقيقة الملكية القائمة على إمارة المؤمنين بطابعها الشرعي ومرجعيتها الدينية.وإبراز مكانة الملك بصفته أميرا للمؤمنين كما نص على ذلك دستور المملكة، وإذا كان تاريخ الإسلامي تحدث عن عز هذه الأمة بدين الإسلام فإن صمام الأمان الذي يحفظ على هذا الوطن دينه وأمنه الروحي اليوم هو إمارة المؤمنين أحد أهم ركائز وثوابت الدولة المغربية لما تحمله في طياتها من قيم دينية، ومقاصد شرعية تستمدها من القاعدة التي تقوم عليها وهي البيعة الشرعية القائمة على العهد الملزم للطرفين قال تعالى: ” إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم”فقد ارتضى الله تعالى لهذا البلد تكاملا واستقرارا على مستوى ثوابته التي عليها قامت عزته، و بفضل التكامل الحاصل بين مكونات هذه الثوابت الدينية والوطنية للمغرب، وهي: المذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية، والتصوف السني، وإمارة المؤمنين، حصّل هذا البلد الأمين أمنا روحيا متميزا وسلما اجتماعيا لطالما اشرأبت إلى الوصول إليه أعناق دول من أقطار مختلفة، حيث كان لثابت إمارة المؤمنين كامل الفضل في رسوخ الهوية الدينية للمغرب في ضوء وحدة مغربية خالصة؛ في المذهب والعقيدة و السلوك بشكل متزن ومنضبط بضوابط شرعية ،لينعكس كل ذلك على سلوك المغاربة تدينا و اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا .
فمنذ قيام الدولة الإدريسية ،استمر المغرب تحت قياداته الراشدة في تطوره التاريخي منسجما مع المرجعية الدينية للسلطة السياسية في البلاد، في صورة إمارة المؤمنين، بدلالتها وحمولاتها العقدية ومقتضياتها الاجتماعية، إلى عهد الدولة العلوية الشريفة حيث ازدهر هذا المعنى العظيم وازداد قوة ورسوخا ووضوحا، وباعتلاء مولانا أمير المؤمنين محمد السادس نصره الله عرش أسلافه الأشراف بصفته رئيسا للمجلس العلمي الأعلى انطلقت مسيرة جديدة في البناء والإصلاح تجاه القمة لا يوقفها شيء، ولا يستثنى منها مجال من مجالات الحياة، بشكل قاد المملكة المغربية بحق لترفل في نعيم ونعمة الأمن والسلم
وقد شكلت البيعة الشرعية على امتداد التاريخ المغربي المجيد أهم الركائز التي قامت عليها مشروعية النظام السياسي الذي أبدعه المسلمون، وكانت إمارة المؤمنين إحدى ثمراته، وقد ظلت هذه المنظومة تمثل إطارا جامعا تلتقي فيه السلطتان الدينية والسياسية لدى ملوك المغرب، هذا التناغم بين السلط الذي استَمدت منه الحضارة المغربية تفردها وتماسك بِنياتها السياسية والاجتماعية لقرون طوال.
إن الحديث عن مناسبة وطنية من حجم عيد العرش هو في الحقيقة حديث عن مسار أمة، وحديث عن اختيار دولة يمتد من 1934ممع خطاب المغفور له محمد الخامس بمناسبة عيد العرش معلنا ثورة الملك والشعب التي كانت طريقا مباشرا للاستقلال، كما يُعتبر اليوم خطاب عيد العرش محطة تتضمن مصارحة الملك لشعبه بأوضاع الوطن وتقييم حصيلة المرحلة السابقة ووضع خارطة طريق للرؤية الاستشرافية للمرحلة المقبلة.
قم بكتابة اول تعليق