جريدة المنبر المغربية ..بقلم الدكتور رضوان غنيمي أستاذ التعليم العالي بجامعة المتعددة التخصصات السمارة
مع كل ذكرى جديدة لعيد العرش المجيد نتذكر تمام فضل الله على أهل هذا البلد أن قيض لهم قيادة واعية راشدة متبصرة، أكمل بها ثبات واستقرار أمنهم الروحي فجعلوا الإسلام دين الدولة وحفظوا بذلك وحدتها وحافظوا على هويتها منذ منتصف القرن السابع عشر، وقد اقتضت المشيئة الإلهية أن تُحاط كل أمة بمقومات وحدتها وقوتها، فكان من أهم تلك المقومات التي تجتمع عليها هذه الأمة بعد دينها مؤسسة إمارة المؤمنين المبايَع بيعة شرعية قائمة على العهد الملزم للراعي والرعية، قال تعالى .. ﴿ إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنوتيه أجرا عظيما﴾.. سورة الفتح الاية 10 ..
وحيث إن الوحدة والائتلاف هي مراد ومبتغى كل المجتمعات والشعوب، فقد حرصت المجتمعات الإنسانية منذ فجر التاريخ على تحقيق هذا المقصد، ودافعت عنه واستماتت في ذلك، فوجدنا الأمم على اختلافها تلتف حول ما تراه مناسبا، للحفاظ على وحدتها، وهويتها، وما يميزها عن غيرها من الأوطان والشعوب ويحفظ لها خصوصيتها على مستوى الفكر والمنهج والسلوك، وما تعدد المذاهب الفقهية والفكرية والعقدية… وتفرقها بين الأمم والشعوب إلا دليلا جليا على حرص هذه الأقطار على تحقيق الخصوصية التي تجعلها مستقلة ومحصنّة ضد كل ما من شأنه أن يثير النزعات والفتن بين أفرادها.
إن محاولة إبراز القيمة التاريخية والدينية والاجتماعية والروحية السامقة لمؤسسة إمارة المؤمنين اليوم تعتبر ولا شك نافلة من القول اعتبارا لدورها الفعال في حماية أمننا الروحي والاجتماعي والسياسي…، بل وتهيئة المجال المناسب لممارسة التدين بمختلف ظروفه وأوضاعه بشكل يضمن الحفاظ على الخصوصية المغربية وتميزها، لكن تحديات المرحلة الراهنة تفرض ضرورة تسليط الضوء على هذا الموضوع.
إن إمارة المؤمنين أساس متين ودعامة أساسية من دعائم المملكة المغربية الشريفة وركن ركين من أركان شخصيتها ومقومات ذاتها وهويتها، وهي صيغة شرعية لتنصيب الإمام وإعطائه شرعية الحكم وإدارة شؤون البلاد، وقد درج عليها المغاربة عبر تاريخهم مع حكامهم و وأمرائهم وملوكهم،
فمنذ عهد الأدارسة ( القرن 8 م ) وإلى قيام الدولة العلوية الشريفة، ورغم التقلبات التي شهدها عهد كل سلالة حاكمة، فإن استمرارية إمارة المؤمنين بقيت أهم مكون من المكونات الرئيسة التي شكلت على الدوام أساس الدولة المغربية إلى يوم الناس هذا، والسر في هذه القوة وهذا الثبات أن إمارة المؤمنين تحمل في طياتها قيما دينية، ومقاصد شرعية، ومبادئ إسلامية، تمتد ظلالها الوارفة على ربوع المملكة فَتَعُمُّها أمنا وأمانا وسلما وسلاما، أضف إلى ذلك قيامها على أساس شرعي متين يعتمد قاعدة البيعة الشرعية التي تقوم بدورها على الرضا المتبادل باعتباره عقدا ملزما لطرفيه.
وقد تضمن الدستور المغربي في فصله إشارة مباشرة إلى الأدوار المهمة التي تضطلع بها إمارة المؤمنين أو الإمامة العظمى ونصه ما يلي: “الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية.
ووفقا لهذا الدستور يكون استمرار مؤسسة إمارة المؤمنين وإعادة بناء وظائفها الدستورية مع مولانا أمير المؤمنين محمد السادس -حفظه الله-، وفي هذه الاستمرارية استمرار الدور الفعال الباني للوطن، والجامع للأمة في زمن المخاطر الجديدة والعديدة، وذلك من خلال الحفاظ على الإسلام السني المالكي الموحّد للجماعة، الطابع للشخصية المغربية، حتى أصبح لا ينفك عنها،بل إذا ذكر المغرب تبادر إلى ذهن السامع الأجنبي مباشرة إمارة المؤمنين وباقي المكونات الدينية والوطنية للشخصية المغربية.
قم بكتابة اول تعليق