
جريدة المنبر المغربية : بقلم الدكتور رضوان غنيي ..أستاذ التعليم العالي يالكلية المتعددة التخصصات بالسمارة ..
تعتبر قداسة الزمان والمكان في الشريعة الإسلامية من صور الرحمة الإلهية القاضية بتعدد مواسم الخير والطاعات حيث تضاعف الحسنات، وهذه القداسة ولا شك باقية مستمرة بقاء الوجود الإنساني، لكن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه على المسلمين عامتهم وعلماءهم هو: هل أدرك المسلمون الحقيقة الشرعية لهذه المناسبات التي تتخلل أيامهم؟ هل فقه المسلمون كيفية الاستفادة من هذه القداسة الثابتة في عقيدتهم؟ إلى أي حد نجح علماء المسلمين على مر التاريخ في تعظيم شأن هذه القداسة (الزمانية والمكانية) في نفوس الناس؟ وإذا كان ذلك قد تحقق بالفعل في بعض فترات تاريخ هذه الأمة فَلِمَ أفل نجم حقيقة هذه القداسة في قلوب الناس في غيرها من الفترات كما هو حال الناس اليوم؟ لمَ لمْ تعد المواعظ والخطب تؤتي أُكلها في تصحيح سلوك الناس بما يحقق مصالحهم في العاجل والآجل؟ أسئلة كثيرةُ العدد، عميقة الوقع، تُطرح على واقعنا اليوم تحتاج إلى إجابات عميقة لعلنا نستطيع من خلالها إنقاذ ما تبقى من روابط انتماء الناس لعقيدتهم، وإصلاح تديّنهم، لأن واقع الحال يُنبئ بانتكاسة كبيرة على مستوى الأخلاق و على مستوى الحياة الاجتماعية وحتى على مستوى ممارسة التدين، وحسبنا من المثال هذا الواقع العفن، وهذه الممارسات الهمجية الرعناء التي تَطبع حال شوارعنا وأزقة مدننا مع كل إطلالة لشهر محرم، عشرة أيام بلياليها يعيش الناس فيها حالات رعب متجدد وأصوات المفرقعات التي تتوقف طيلة اليوم والليلة، ليختتم هذا المهرجان الهمجي، وهذه الفوضى المنظمة بليلة بيضاء لا يذوق فيها الناس طعم النوم لتبلغ الغوغائية والهمجية ذروتها وتتزين الأزقة والشوارع بشتى أنواع التلوث السمعي والبصري والبيئي، ممارسات نعلن من خلالها للعالم بأننا قوم همج، بأننا قوم متخلفون، نعم أيها العالم نحن من يحتفل بالمفرقعات، وإضرام النيران، نحن من يحتفل ببيئة ملوثة وفي بيئة ملوثة، نحن من يحتفل بتنشيط سوق الشعوذة في مناسبة يفترض أنها دينية أحياها رسولنا صلى الله عليه وسلم بالصيام، نحن من يستفيق اليوم الموالي على مخلفات دمار ليلة انتشى أصحابها بإتلاف ممتلكات الناس، وأحرقوا الإطارات في وسط الشوارع، ليبدأ مسلسل المتابعات القضائية وبكاء هنا وشكوى هناك… بالله عليكم أي الناس نحن؟ أليس فينا رجل رشيد؟
إن حالات الانفلات الأخلاقي الذي نعيشه كل عام مع هذه المناسبة (10 محرم) أصبح ظاهرة مشينة مسيئة لديننا، مسيئة لنبينا صلى الله عليه وسلم، مسيئة لآدميتنا، مسيئة لبلدنا، بل ومسيئة للقادم من أجيالنا، أصبح يتخذ منحى خطيرا بعد أن بلغ الأمر إلى تفجير قنينات الغاز، لنتساءل من جديد هل بالفعل مازلنا نتحدث عن انفلات أخلاقي فحسب أم أن الأمر تطور ليصبح مناسبة يختبئ وراءها المخربون وأصحاب النوايا،لأجل ذلك نراها ظاهرة تحتاج إلى دراسة عميقة من طرف علماء الاجتماع، وعلماء النفس، وعلماء الشريعة، وهم مطالبون بالوقوف عندها ومحاولة معالجتها بشكل يحفظ لنا قدسية الزمان في ديننا، ويحفظ لنا مستوى الرقي الفكري والحضاري الذي ننشده لنحفظ لأنفسنا مَوطأ قدم بين الأمم.
قم بكتابة اول تعليق