الدكتور الحسن عبيابة : جلالة الملك اعتبر أنه من استلهام روح ثورة الملك والشعب، استكمال تحرير الوطن بنفس روح التضحية لوحدته الترابية

جريدة المنبر المغربية :

بقلم الدكتور الحسن عبيابة وزير سابق و أستاذ التعليم العالي

ألقى جلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، خطابا ساميا بمناسبة لذكرى 69 لثورة الملك والشعب، وهو خطاب يأتي في سياق وطني ودولي مليء بالتغيرات الدولية على المستويين الإقليمي والدولي، كما أنه يأتي بعد ثلث قرن على الإعلان عن ثورة الملك والشعب، وهي ثورة مستمرة ومتجددة منذ عهد الإستقلال إلى يومنا هذا، مرورا بالمسيرة الخضراء التي شارك فيها أكثر من 350 ألف متطوع من جميع أطراف المملكة.
وإذا كانت ثورة الملك والشعب مرحلة فاصلة في تحقيق الإستقلال عن المستعمر، فإنها الآن تعني الإستقلال بمعناه السيادي والإقتصادي والمالي، والتجنيد الدائم للحفاظ على الوحدة الوطنية والترابية، وقد جاء في خطاب جلالة الملك (….إن روح ثورة 20 غشت الخالدة، بما تحمله من معاني التضحية والتضامن والوفاء، في سبيل الوطن، ستبقى تنير طريقنا، وتلهم الأجيال المتعاقبة، في ظل الوحدة الوطنية والترابية، والأمن والاستقرار)، كما أن جلالة الملك اعتبر أنه من استلهام روح ثورة الملك والشعب، استكمال تحرير الوطن بنفس روح التضحية لوحدته الترابية، بإسترجاع الأقاليم الجنوبية للمملكة، وفعلا فقد جسد المغاربة كل هذه المعاني السامية في المسيرة الخضراء التي شملت مقاومة سلمية جديدة من نوعها، أبدعها الراحل المشمول برحمة الله جلالة الملك الحسن الثاني، وكانت بمثابة جيش مدني رمزي أعاد الأقاليم الجنوبية في ظروف صعبة وحرجة، كما أشار جلالة الملك في خطابه بالمناسبة بضرورة الاعتناء بالمقاومين والمدافعين عن الوحدة الترابية، ليس فقط بالذين شاركوا في مرحلة الإستقلال، وانما بكل الشهداء الذين دافعوا عن الوحدة الترابية في كل زمان ومكان، وهذا هو دور المندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير التي لم تجدد منهجها في التعامل مع التاريخ والكفاح الوطني بعد المسيرة الخضراء بما يلزم، لأننا لازلنا في حاجة الى مدافعين عن الحدود الجغرافية للمغرب في ظل ظروف دولية وإقليمية عنوانها الحروب الإقليمية لاستنزاف الموارد الطبيعية والبشرية للدول.
لقد أشار جلالة الملك بالإنجازات الكبيرة التي تحققت على الصعيدين الإقليمي والدولي لصالح الموقف العادل والشرعي للمملكة، بخصوص مغربية الصحراء، وهي نتائج جاءت بكل تجرد بجهود الدبلوماسية الملكية القوية التي جعلت الإجماع الدولي النافذ يعترف بمغربية الصحراء ودعم الحكم الذاتي،
لقد أوضح الخطاب الملكي القوة الدولية والإقليمية التي دعمت الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، وهي نفس القوة الدولية التي تعطي الشرعية الدولية في مجلس الأمن، وفق توزيع جغرافي من جميع القارات:

. أمريكا الشمالية:

1. الموقف الثابت للولايات المتحدة الأمريكية الذي إعتبره جلالة الملك حافزا حقيقيا، لا يتغير بتغير الإدارات، ولا يتأثر بالظرفيات.

2. الدول الأوروبية

لقد خصص جلالة الملك فقرات خاصة للإشادة بإسبانيا وبموقفها، وأكد جلالته بأن إسبانيا تعرف جيدا أصل هذا النزاع المفتعل في الصحراء، كما ذكر الخطاب بموقف كل من ألمانيا وهولندا والبرتغال، وصربيا وهنغاريا وقبرص ورومانيا.

3. الدول العربية

. أشاد جلالة الملك بملوك وأمراء ورؤساء الدول العربية الشقيقة، وخاصة الأردن والبحرين والإمارات، وجيبوتي وجزر القمر، التي فتحت قنصليات بالعيون والداخلة، وخصص إشادة خاصة بدول مجلس التعاون الخليجي ومصر واليمن والأردن،

4. الدول الإفريقية

وفي نفس السياق أشاد الخطاب الملكي بالأشقاء الأفارقة، وخصوصا الذين قاموا بفتح قنصليات تنتمي لخمس مجموعات جهوية، بفتح قنصليات في العيون والداخلة، وهو مايمثل نحو 40٪ من القارة الإفريقية.

5. دول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي

وهي بعيدة جغرافيا عن المغرب، لكنها قريبة منه سياسيا وإقتصاديا، حيث قامت العديد منها، بفتح قنصليات في الصحراء المغربية، كما قررت دول أخرى توسيع نطاق اختصاصها القنصلي، ليشمل الأقاليم الجنوبية للمملكة، وهي صيغة دبلوماسية للإعتراف بالأقاليم الجنوبية.
وقد تميز الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب بتوضيح صريح لبعض الأصدقاء التقليدين للمغرب، بأن دعم المغرب في وحدته الترابية هو المعيار الواضح والبسيط لبناء صدقات والشركات والتعاون في المستقبل، وأنه لامجال للخطاب السياسي المزدوج، مما يعني أنه إكتسب الشرعية الدولية من أكبر الدول النافذة في مجلس الأمن، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، والمانيا، ومن أكبر تجمع إقليمي نافذ هو مجلس التعاون الخليجي، ومن 40% من دول القارة الإفريقية.
وفي سياق وطني خصص جلالة الملك فقرات في غاية الأهمية وعميقة بالدلالات، عندما قال جلالته (….يبقى حجر الزاوية في الدفاع عن مغربية الصحراء، هو وحدة الجبهة الداخلية والتعبئة الشاملة لكل المغاربة، أينما كانوا، للتصدي لمناورات الأعداء)، وهي فقرات يجب أن تدمج في مقررات التاريخ والجغرافية لتدرس لأبناءنا في المدارس والجامعات والمعاهد العلمية، لأن أي دولة بدون تاريخ وجغرافيا تبقى بدون هوية وطنية، وبدون أسلحة فكرية وثقافية وسياسية، لكن في نفس الوقت تبقى تقوية الجبهة الداخلية من الجميع وللجميع، لأن الوطنية ليست حكرا لا على الأغنياء ولا على الفقراء، وإنما من الجميع لأجل الجميع، لأن التعبئة المطلوبة تتطلب جهدا فكريا وتربويا، وسياسيا وإقتصاديا لتأمين المستقبل.




قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


− 2 = 1