المنبر المغربية : بقلم الدكتور رضوان غنيمي أستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر أكادير
من ذخائر الأمثال المغربية الشعبية الجميلة، قولهم: “طاحت الصمعة علقوا الحجام” هذه المثل في ذاته يحتاج إلى بيان و إلى تفصيل لأن من لم يفهم المثل لن يفهم مضمون هذه الأسطر، وحيث إن المجال لا يتسع للتفصيل، فسأترك فهم مقتضيات هذا المقال لمن أمكنهم فهم هذا المثل الشعبي.
عشنا في اليومين الأخيرين تداعيات فاجعة شنيعة بسيدي البرنوصي تفاصيلها اعتداء شخص ثلاثيني على الناس بالشارع العام بشكل عشوائي نتج عنه وفاة شخص واحد وإصابة 8 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة قبل أن يتدخل رجل أمن بطل ليوقف الجانح دفاعا عن نفسه وحفاظا على سلامة الناس في الشارع العام،فاجعة أثارت ردود أفعال متعددة من قبل فئات مجتمعية مختلفة، من مشارب متعددة، ومن خلفيات متعددة، وكثر اللغط حول أسبابها، وتعددت المواقف المتضاربة بين مؤيد لتدخل رجال الأمن و معارض، وبين مشفق على ما آل إليه أمر الجاني بعد إصابته برصاصة ضابط الأمن.
المتتبع لشهادات وتصريحات بعض الناس يرى أنها تتراوح بين موقف مؤسس على عاطفة، وبين موقف مؤسس على استنتاجات وتأويلات مستقاة من واقع يملأه استشعار الحنق والضيق وعدم الرضا، … وفي خضم كل ذلك سكوت عجيب، و إهمال أعجب، وأغرب تجاه ما آل إليه أمر أولئك الذين قضوا ظلما بغير جريرة في هذه الفاجعة،هذه الحادثة النكراء أعادت إلى واجهة الأحداث أخلاق المجتمع وقيمه لتوضع في الميزان من جديد، وأنا أتابع ردود الأفعال التي تلت هذه الواقعة وجدت نفسي أمام جملة من المفارقات العجيبة التي اكتنفت الشارع المغربي خصوصا في فئة الشباب،
نحن أمام جريمة يفترض فيها أنها فاجعة غريبة غير مسبوقة في المجتمع المغربي، بترصد و تخطيط ثمة تنفيد بعد ذلك، فضلا عما أظهره المعتدي من استعدادللمضي قدما فيما أقدم عليه إلى أبعد الحدود، ومع ذلك تضاربت الآراء والمواقف من أناس الحقيقة أنهم ليسوا ممن ينبغي أن تستقى آرائهم. أناس في أحسن أحوالهم عرفوا القاتل، أو عاينوا الجريمة، أو تناهى إلى أسماعهم بعض من تفاصيل حياتهدون تثبت من مدى صحتها ، أو عن بعض الدوافع الكامنة وراء هذا الجرم الشنيع الذي تلبس به، لكن الغريب العجيب الذي أثارني جزئية أشار إليها أحد أولئك الذين استجوبوا بشكل عشوائي على ناصية الشارع من قبل منابر إعلامية تقتات على الفضائح فرد المسألة إلى أن القاتل كان مسحورا. وعلى الرغم من أن هذا المبرر في ذاته مبرر عجيب وغريب فإن الأعجب والأغرب منه أن عددا من المنابر الإعلامية الوطنية الإذاعية وقفت بشكل مطول عند هذا التصريح لتنطلق من خلاله إلى توجيه بوصلة النقاش إلى فئة لطالما كثر حولها اللغط بدورها وهي فئة الرقاة . ففي الوقت الذي ينتظر فيه المتتبع المتفحص لهذه الظواهر الاجتماعية أن يتم تحليلها تحليلا علميا من لدن خبراء ومتخصصين سواء على المستوى النفسي أو المستوى السلوكي، أو في علم الإجرام. وجدنا أنفسنا أمام قضية أخرى الغرض منها توجيه أصابع الاتهام رأسا إلى هذه الفئة التي ذكرت، وهي فئة الرقاة فقلت صدق من قال “طاحت الصمعة علقوا الحجام” طبعا ليس المقصود عندي أن أدافع عن هذه الفئة أو تلك، أو أن أرد التهم عنها، هذا ليس غرضي، ولا يعنيني هذا الأمر في شيء، لكن أريد أن أتساءل هل قلت المادة الإعلامية أو عدمت؟ أليس الأولى أن يوجه النقاش التوجيه الصحيح القويم من خلال عرض هذه النازلة على ذوي الاختصاص من علماء النفس والاجتماع وعلماء الإجرام. من أجل تحليل الظاهرة في ذاتها والوقوف عند مسبباتها حتى يتسنى لهم و للقائمين على الشأن العامي، أن يقترحوا الحلول المناسبة التي من شأنها أن تضع حدا لمثل حالات الانفلات هذه ؟ طبعا نحن لا نتحدث هنا عن ظاهرة مجتمعية غزت واقع الناس، ولربما تأثر ب بها بعضهم لا وإنما نتحدث عن نوع من الجنوح الأخلاقي كيف آل الأمر بشبابنا إلى أن أصبح الواحد منهم يقتل الناس بدم بارد وليست لهم عنده سابقة خير أو شر؟ كيف امتلك شبابنا الجرأة على مقارعة ومواجهة رجال الأمن وهم مسلحون؟ كيف أصبح شبابنا قادرين على احتجاز الرهائن الأبرياء ومساومة رجال الأمن بأرواحهم؟ ما الذي حدث لأخلاق الناس؟ من المسؤول عن تغيرّ قيم الناس؟ما هو الوضع القانوني من حيث المساءلة لمن يتجمهر من الناس عند مواجهة رجال الأمن للجانحين المسلحين؟ كان الأول ىأن يطرح للنقاش ما تتحقق به المعرفة المطلوبة المجلّية لأهمية تدخل رجال الأمن حفاظا على سلامة الناس، كان الأولى أن يطرح للنقاش ازدواجية الموقف لدى بعض الناس بين الشكوى من غياب الأمن و بين استنكار تدخل رجال الأمن في حالات الاضطرار لكبح جماح الجانحين.
قم بكتابة اول تعليق