مازالتْ رئاسة النيابة العامة تعترضُها عدة صعوبات ومشاكل على الرّغم من اسْتقلالها عن السّلطتين التنفيذية والتّشريعية، خاصة في الجانب المتعلّق بضمانِ استقلاليتها ..
ذاك ما حمله التقرير السّنوي الثاني للنيابة العامة ـ حسب هسبريس ــ الذي توقّف عند سلسلة من الإشكاليات المرتبطة أساساً بالفترة الرّاهنة التي يتمُّ خلالها تنزيل استقلال النيابة العامة، باعتبارها مكوناً من مكونات السلطة القضائية المستقلة .
ووفقاً لتقرير السّياسة الجنائية وسير النّيابة العامة لسنة 2018، فإنّ “الممارسة خلال السنة الأولى أبانت عن وجود بعض النقص في التنسيق بين السلطات المعنية، الذي أدى إلى اختلالات من شأنها المساس باستقلال النيابة العامة، باعتبارها من السلطة القضائية”، مشيراً إلى أنّ “الجزء الكبير من الصعوبات التي تمت ملاقاتها يرجع إلى الجانب التطبيقي بالأساس، الذي يعود إلى تأويل بعض النصوص تأويلا ًيمس باستقلال السلطة القضائية ” .
وقال التّقرير السّنوي إنّ “بعض الإشكاليات ستظلُّ تتطلب تدخلا تنظيميا وتشريعياً يحقق للنيابة العامة استقلالها المادي” ، ذلك أن الاستقلال المالي المحقق إلى حد الآن لا يتجاوز “مقر رئاسة النيابة العامة “، مشيراً إلى أنّ “الوسائل والإمكانيات المادية واللوجستيكية التي يشتغل بها أعضاء النيابة العامة خاضعة مباشرة وبكيفية كاملة للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل، ولا توجد لدى رئاسة النيابة العامة وسيلة فعالة للتنسيق بشأن توفير الإمكانيات أو تسخيرها لفائدة المهام التي يقوم بها أعضاء النيابة العامة بمحاكم المملكة ” .
وتوقّفت النّيابة العامة عند صعوبات من شأنها التأثير على تدبير رئاسة النيابة العامة للسياسة الجنائية وللسير العام للنيابة العامة، لا سيما في الجانب المتعلق بالبرامج المعلوماتية التي لا توفر للرئاسة إلى حد الآن الخدمات التي ما فتئت تعبر عن حاجتها إليها، مشيرة إلى أنّ “تتبع تنفيذ السياسة الجنائية سيظل يعرف صعوبات، لا تستطيع رئاسة النيابة العامة حلها بسبب عدم توفرها على الميزانية اللازمة لذلك. وكذلك لكون وسائل العمل المتاحة للنيابات العامة بالمحاكم حاليا تقع تحت سلطة وزير العدل المباشرة ” .
وأشار تقرير النيابة العامة إلى أنّ “المصلحة العليا للعدالة تقتضي إما قبول الوزارة المكلفة بالعدل التعاون مع رئاسة النيابة العامة لأجل تنفيذ البرامج المعلوماتية اللازمة لتتبع سير النيابات العامة، وتحصيل الإحصائيات والمعطيات المتعلقة بعملها، وتتبع أداء أعضائها، أو تحويل هذه الصلاحيات بمقتضى القانون إلى رئاسة النيابة العامة ” .
و في هذا السياق ، أوضحت النيابة العامة أنّ “استقلال المؤسسة لا يمكن أن يتحقق وهي غير قادرة حتى على إنجاز مجرد برنامج معلوماتي يوفر لها الحصول على إحصاءاتها وتقييم أداء قضاتها، بسبب تحكم سلطة أخرى في الوسائل اللازمة لتحقيق ذلك ” .
و شدّد التقرير نفسه في الجانب المتعلق بالتكوين، على أنّه “ما يزال بدوره يتطلب الملاءمة مع الوضعية الدستورية الرّاهنة؛ ذلك أن المعهد العالي للقضاء ما يزال خاضعا للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل، كما أن القوانين الحالية لا تعطي أي موقع لرئاسة النيابة العامة للإشراف على تكوين أعضائها، ولاسيما في مجالي التكوين التخصصي والمستمر ” .
وأوصى التقرير بضرورة التعجيل بتعديل النصوص القانونية والتنظيمية المتعلقة بالمعهد العالي للقضاء، وتخصيص جانب منها لتمكين رئاسة النيابة العامة من تنفيذ برامج التكوين المتعلقة بها بواسطته، مع إشراكها في الإشراف على وضع البرامج وتنفيذها وتقييمها .
وعلى الرّغم من هذ الصعوبات، يضيف التقرير، تمكن أعضاء النيابة العامة خلال سنة 2018 من تحقيق مردودية جيدة على المستوى الكمي، ويتجلى ذلك من إنجاز حوالي 82% من الشكايات، بينما توجد 18% الباقية قيد البحث لدى مصالح الشرطة القضائية المختلفة. وهي نتائج أحسن مما تحقق في السنة السابقة .
كما تمّ إنجاز حوالي 90% من المحاضر الورقية التي بلغ عددها 1369474 محضرا، في حين ظلت 10% الباقية إما قيد الدراسة أو أعيدت لإتمام البحث. ويعتبر ذلك أحسن مما تحقق في السنة السابقة، بالإضافة إلى تقديم ملتمسات في جميع ملفات التحقيق الإعدادي، سواء تعلق الأمر بالمطالبات بإجراء تحقيق أو بالملتمسات الختامية، ويتجاوز عددها 30345 مطالبة بإجراء تحقيق.
وقال التّقرير إن “الجهود المبذولة من طرف النيابات العامة في هذا الصدد تعترضها بعض الصعوبات، ولا سيما نقص عدد أعضاء النيابة العامة، مما جعل معدل الإجراءات السنوي لكل قاض يتجاوز 6000 إجراء، مما يؤثر على جودة الإجراءات، ويحول دون تطوير الخدمات القضائية. ولذلك نوصي بتعيين ما لا يقل عن 600 قاض في النيابة العامة خلال السنوات الثالث المقبلة (2019 و2020 و2021 ” ) .
قم بكتابة اول تعليق