الدكتور رضوان غنيمي : المغرب يقتحم عقبة التعليم عن بعد بنجاح

المنبر المغربية ..بقلم الدكتور رضوان غنيمي ..أستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر باكادير ، كلية العلوم الشرعية بالسمارة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيد المعلمين وإمام العابدين وبعد،

لا خلاف أن انطلاقة تجربة التعليم عن بعد بالمغرب كانت محتشمة من حيث منطلقُها و آليات تنزيلها وتفعيلها و في تثاقل خطى انطلاقتها خصوصا إذا ما استحضرنا حجم الاكراهات والتحديات التي واجهت هذه التجربة وما تزال ومنها:

1-      الحاجة إلى تكوين أطر التربية والتعليم على كيفية إنتاج المواد الرقمية.

2-      تأمين الجانب اللوجستي الرقمي على مستوى المؤسسات.

3-      تأمين حاجيات الفئة المتعلمة من مقررات ومراجع.

و بالرجوع إلى الوراء قليلا ولو بيوم واحد قبل اعتماد هذا النمط الجديد: التعليم عن بعد بالمغرب بديلا للتعليم الحضوري أو على الأقل مكملا لوجدنا أن هذا الطرح لم يكن موجودا ولا حتى متقبلا كفكرة يمكن مناقشتها، بل كان التخوف من الاقدام على هذه الخطوة مسيطرا على الناس ومنهم بعض أصحاب قرار الشأن التربوي، بل لطالما تساءلنا عن مدى جدوى ونجاعة العملية التعلمية التعليمية عن بعد وفي أحسن الظروف اعتبرها البعض نافلة من القول، فجعل إمكانية اعتمادها محصورا على فئة محدودة من المتعلمين، إلى أن أصابتنا هذه الجائحة الوبائية ففرضت علينا نوعا من التباعد الاجتماعي توقفت فيه الدروس والمحاضرات الحضورية مع استمرار حاجتنا إلى إتمام مفردات المقررات الدراسية مما ألجأنا اضطرارا إلى اعتماد نظم الاتصال الحديثة والمتنوعة تحقيقا للتفاعل عن بعد عموما و للعملية التعليمية التعلمية بشكل خاص ضمانا لاستمراريتها، ومنذ تم اعتمادها وإلى يوم الناس هذا تظهر المؤشرات الأولية نجاعة التجربة، بل ظهر لها من الفوائد ما لم يكن معروفا ولا متوقعا بما أتاحته هذه  الكبسولات الرقمية من فرص متابعة الآباء سير تكوين أبنائهم، بل وفعّلت حقيقة دور هذا الشريك الاستراتيجي الذي لطالما عجزت المقاربات البيداغوجية عن إشراكه في العملية التعليمية التعلمية، ولعل نسب هذه النجاعة والفعالية تختلف حسب التخصصات والمواد المدرسة، مراعاة لطبيعة كل مادة، لتكون مسالك الآداب والعلوم الإنسانية والشريعة والقانون والتعليم العتيق عموما أكثر التخصصات انسجاما وتجاوبا واستفادة من هذه التجربة حيث ساعدت هذه الكبسولات الرقمية على بيان مفردات المادة العلمية المقدمة فضلا عن كونها فتحت بابا لتفاعل المتعلمين مع أساتذتهم بشكل جعل العملية التعليمية تسير حقيقة بشكل، أفقي كما مكّنت الطالب والتلميذ من فرصة إعادة عرض محتوى المادة العلمية متى احتاج إليها، بل حتى عملية التقويم عن بعد والتي لا زلنا نتردد في شأنها إنما نحتاج فيها إلى اقتحام العقبة ولو أنها فرضت علينا كما فرض علينا استكمال الدروس والمحاضرات لكان لنا فيها قولا.

في الحقيقة مسالة تقييم تجربة التعليم عن بعد في هذه المرحلة لا تخلو من تجوز وإلا فالتجربة لا زالت في طفولتها في المغرب كما حال عدد من الدول الأخرى،  وربما نحتاج إلى سنوات حتى يمكننا الحديث عن تقييم علمي قائم على أسسه العلمية والمنهجية السليمة، خصوصا أن المغرب قد اضطر إلى اعتماده في وقت جد متأخر من السنة الدراسية، أضف إلى ذلك عنصر المباغتة والارتجالية ــ إن صح القول ـ التي صاحبت انطلاق هذه التجربة وإلا فخطوة مماثلة تحتاج إلى تخطيط  وإعداد واستعداد وعينات تجريبية قبل تعميمها ومع غياب كل ذلك انطلقت التجربة في المغرب واستطاعت حقيقة أن تحقق مالم يكن متوقعا لها من النجاح _النسبي طبعا_ رغم الانتقادات التي صاحبت انطلاقها والتي يمكننا أن نقول عنها اليوم أنها انتقادات كانت سابقة لأوانها كل هذه المقدمات الصغرى تجعلنا نؤكد على أن مسألة الحكم بالنجاح أو عدمه في الوقت الراهن فيه ما فيه من التجني على هذه التجربة  ومحاولة إجهاضها. لأجل ذلك فالمجتمع التربوي بالمغرب مطالب بالانخراط الفعلي الحقيقي في هذه التجربة ومحاولة إنجاحها حتى نستطيع بناء نمط تعليمي تعلمي جديد يمكن اعتماده دون حرج ولا تردد فقد علمتنا جائحة كورونا ضرورة الاستعداد للطوارئ والمفاجآت .

ختاما أقول لقد آن الأوان ليتراجع التعليم الحضوري نسبيا بنمطه التقليدي ليفسح المجال أمام التكنولوجيا الحديثة بصفتها نمطا مكملا وداعما ولا شك أن استمرار هذه التجربة وتوسعة قاعدة المستفيدين منها من خلال محاولة تجاوز الإكراهات والعقبات اللوجيستية التي قد تحُد من فعاليتها سيجعلنا حقيقة أمام طفرة نوعية على مستوى إعادة ضم جمع غفير من المتعلمين إلى المنضومة من جديد خصوصا أولائك الذين حالت ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية دون حضورهم الصفي، كما ستساعد على استمرارية تمدرس الفتيات اللواتي اضطررن للانقطاع عنها لأسباب كثيرة منها ماهو اجتماعي عرفي، ومنها ما هو اقتصادي وغير ذلك من هذه المعيقات .

 

 

 




قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


52 + = 54