
المنبر المغربية ..بقلم الدكتور رضوان غنيمي ..أستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر باكادير ..كلية العلوم الشرعية بالسمارة
لا يخالف عاقل منصف أن القيم الإنسانية والحضارية المستمدة من الشرع الحنيف كانت وما تزال قاطرة تنمية، وقنطرة عبور المجتمعات والشعوب إلى بر أمان الرقي الحضاري، بل بها يقاس تقدم الأمم وتأخرها، وقد اعتبرت من أهم أسس نهضتها، خصوصا لدى المجتمعات المسلمة، إلى أن وقع الذي وقع فأفل نجم هذه المجتمعات بعد أن استبدلوا قيمهم الرصينة الثابتة بقيم متغيرة هي نتاج عقل بشري قاصر، بل قيم خاضعة لمنطق السوق وما يطلبه الناس ويساير العصر، فأصبحت القيم بذلك تتأرجح بين كفتي حاضر هجين ومستقبل مجهول لا تعرف استقرارا ولا يضبطها قانون ولا يحكمها مرجع، بل تعددت هذه القيم حتى تعارضت ولم يعد باستطاعة أحد أن يُنكر على أحد شيئا، فوجدنا بذلك من يبرر الكذب ويلونه بالأبيض المقبول والأسود المردود، بل وجدنا من يسرق ويَغصبُ غيرَه ماله وربما هدده في مهجته ثم لا يمنعه جهله واعوجاج فكره وتشوه قيمه ومبادئه من البحث عن مبررات جرمه، ليس من السهل فهم و مناقشة ما يصدر عن بعضنا من ممارسات وسلوكات أقل ما يقال عنها أنها خارج إطار علاقة فرد بمجتمع بغض النظر عن القيم، والدين، والقانون، والعادات، والأعراف… سلوك تمُجُّه كل هذه المرجعيات لا يمكن وصفه إلا بهمجية ما قبل تعايش الناس في إطار مجتمعات، حينما تشاهد انقضاض مخلوقات تشبه الإنسان في شكله وهيأته على أموال الناس يَسْلٌبونَهُموها عنوة وغلبة وقهرا وغصبا بغرض تقديمها قربانا لله عز وجل في أعظم أيام الدنيا – يوم النحر- يمكنك حينئذ أن ترى مستوى التدني والانحطاط والجهل والهمجية و… الذي عرفته قيم وأخلاق الناس، إذا كان فقهاء الإسلام يتحدثون عن مدى صحة الصلاة في ثوب مغصوب،وإذا صحت إلى أي حد يمكن الحديث عن حرمة الفعل في ذاتهفكيف لهذه المخلوقات أن تنهب وتعتدي لتُضحي؟ كيف يعقل إقدام مسلم على فعل الحرام لأداء سنة مؤكدة؟ بل السؤال الذي قد لا نجد له جوابا في هذه الظاهرة هو إذا كان الشرع يُحرٍّم والقانون يُجرٍّم والعادات والتقاليد تتبرّأ فإلى أي شيء استند هؤلاء لارتكاب فعلهم الشنيع؟ من أنتج لنا هذا الجيل الهجين الذي تضاربت المصالح في اعتقاده ففاته التدين الصحيح، وما استطاع الأخذ بالسنن الكونية فيصلح حاله في مواقع الوجود، لتحقيق النجاح؟ لست هنا بصدد الحكم على فئة معينة وتوجيه التهم إلى أخرى بقدر ما أريد لفت الانتباه إلى مستوى الانحطاط الذي وصلته قيمنا وحالة الانفصام الشديد الذي أصبحنا نعيشه حتى وجدنا من يحمل خمرا في يمينه ومصحفا في شماله وهو يحلف بالمصحف أنها خمر خالصة لا غش فيها، أي أمة نحن؟
إن الأصل في المؤمن أن تظهر حقيقة معدنه وجوهر أصله عند الأزمات حين الشدة والضيق، لكن أمة تقتات على الأزمات، ومجتمع يتاجر أفراده في هموم ومآسي بعضهم هو مجتمع في طريق السقوط إن لم يكن قد سقط بالفعل، لقد عرَّتنا أزمة كورونا اجتماعيا واقتصاديا وقيميا وأخلاقيا بل حتى على مستوى تديننا أو ادعاء فهمنا لروح شريعتنا، يتأوه الناس لعدم تمكنهم من أداء صلاة الجمعة بسبب الوباء ولربما بكوا مع أن التعبّد في حالات كثيرة قد يكون بالترك كما يكون بالفعل كما هو مقرر عند الفقهاء، ثم نشاهد عبر قنوات عالمية موقفا مخزيا ووضعا مشينا عن مريضة اضطرت للذهاب إلى بنك في سيارة إسعاف لتوقيع أوراق سداد مستحقات العلاج بمصحة خاصة، أي خزي يمكن أن يُعيّر به بلد بأكمله أكثر من هذا؟ في وقت نتحدث فيه عن قيم التضامن زمن الجوائح والأزمات، في الحقيقة إذا غابت عن الناس روح المواطنة، وصدق الانتماء لهذا البلد، وغاب عن ذهنهم فهم التدين الصحيح فلا عجب أن نرى ونسمع أكثر من هذا،لأن انهيار الأمم والشعوب بانهيار أخلاق وقيم أهلها وقد انتكست قيمنا في أنفسنا وانحطت أخلاقنا.
قم بكتابة اول تعليق