
المنبر المغربية : بقلم الدكتور رضوان غنيمي ..أستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر بأكادير
خائن وطنه كسارق مال أبيه ليعطيه إلى اللص فلا اللص يكافئه ولا أبوه يسامحه”جملة عميقة تنسب لنابليون بونابارت قابل بها قواده وهم يتعجبون من استهجانه لأحد جواسيسه، وللأسف لازال بعض الناس إلى اليوم عاجزون عن إدراكها وفهم حقيقتها من خلال ما بتنا نشهده من غريب المواقف و عجيب التصريحات، مواقف وتصريحات وخرجات إعلامية ترشح بمعادات الأوطان، ومحاولات الانتقام منها، وزعزعة أمنها واستقرارها، كل ذلك في نظر العقلاء مؤشر قوي على حالة مرضية جد متقدمة تدفع صاحبها من حيث لا يشعر إلى جلد الذات قبل الآخر، فلا يرتاح ولا يهنأ له بال إلا وهو يرى حمامات دم الأبرياء تجري، وهي حالة ارتبطت بخونة أوطانهم عبر تاريخ البشرية منذ عرفت الإنسانية معنى الخيانة، وإنما سميتها بالخيانة ووصفت المتلبس بها بالمريض لأنه يسعى إلى الانتقام من المواطنين عن طريق هدم وتخريب الوطن، وهذا عين المرض ورأس الخيانة، وهنا ينبغي أن نفرق بين خطاب الكراهية والفكر الإجرامي الإرهابي، ذلك أن الأولينبعث من فكر منغلق قاصر الفهم، غير قادر على استيعاب مستجدات الحياة في ظل ضرورة إخضاعها لشرع الله، وهو المعروف عند الناس بالفكر الإرهابي أو خطاب الكراهية، أو خطاب التحريض…
أما الثاني ففكر إجرامي إرهابي حقيقي منبعث من رغبة شخصية في الانتقام من جهة معينة لدوافع ذاتية لا علاقة لها بمرجعية دينية أو غيرها، لكن قد يستغل صاحبها بساطة عقل المخاطب ورقة مشاعره الدينية وسرعة تأثره بها فيعمد إلى إثارة هذه المشاعر فيه عن طريق لي أعناق النصوص الشرعية، وإلباس الأحداث لبوس الدين،وتزييف الحقائق وإظهار الباطل في صورة الحق،فيظن الظان المغرر به أنه بصدد المُنافحة عن قضية مقدسة،وقد ظهر هذا الأمر بجلاء عبر التاريخ إذا ما تتبعنا بعض الخطب الرنانة التي نجح أصحابها -إلى حين-، في إفساد عقول أتباعهم وتمكنوا من تضليلهم وإبعادهم عن طريق الهدى والرشاد، كما كان الحال بين فرعون وقومه قال تعالى فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ.
وقد تطور هذا المنهج الفاسد ليصل في وقتنا إلى ابتكار صورة جديدة وتقسيم ثالث جمع بين جهل الأول ومكر وخبث الثاني فكانت النتيجة أن وجدنا أنفسنا أمام فكر هجين تضاربت المصالح في اعتقاده فنفث سُما لا قِبل للناس به، وقد تجسد هذا الفكر الجديد لدى بعض المرتزقة الذين فشلوا في علاقاتهم داخل مجتمعهم، فغادروا أوطانهم وتنكروا لها، واختاروا لأنفسهم أرضا غير الأرض، ووطنا غير الوطن،-وشتان بين العيش في وطن أنت جزء منه، ووطن أنت مقيم فيه-، ليصبح همهم الوحيد زعزعة استقرار أوطانهم وضرب أمنها شعارهم في ذلك كله قول أبي فراس:
ومعللتي بالوصل والموت دونه إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر
ومن أعلام هذه المدرسة المتطرفة الجديدة، الجامعة بين الإجرام البيّن ولي أعناق النصوص، صوت سمعته يتكرر مرارا نافثا سُمّه من وراء كاميرات مواقع التواصل الاجتماعي تحت علم دولة لم تدخر جهدا في معارضة قضية المغرب الأولى، داعيا إلى فتنة وقتل وانتحار بشكل مباشر لم يَسبقه إليه أحد من العالمين، مستعملا في ذلك أسلوب الاستفزاز وإثارة حفيظة المغاربة من خلال اتهامهم بالتخاذل والاستكانة والخنوع والخضوع… وإنما آثرت عدم ذكر اسمه لأن في ذكره إعلاء لشأنه ولأن أمثال هذه النماذج لا تتوقف عن الظهور والبروز كالفطر.
ليس غرضي في هذه الكلمات بيان عوار ادعاءات متنكر لوطنه، ولا التنصيص على حقيقة جهله، بقدر ما دفعني إلى ذلك إقحامه لدين الله ومحاولة دغدغة مشاعر المغاربة بفقاعات كلام وصياح يحسبه الظمآن ماء، والحقيقة أن مثل هذه الظواهر البشرية ينبغي أن تكون محل دراسة لعلماء الاجتماع و أخصائيوا علم النفس في محاول فهم منشأ هذا الحقد الذي يكنه هؤلاء لأوطانهم وأهليهم، وإلا كيف نُفسر دعواتهم للناس بالانتحار؟
في رأيي القضية أكبر وأعمق من مجرد الردّ على آحاد هذه الصيحات من هنا وهناك، لأجل ذلك يبقى المعوّل عليه في التصدي لمثل هذه المشوشات الوعي المجتمعي لدى المغاربة من جهة، ومن جهة أخرى ضرورة إسماع صوت العلماء لعموم الناس حتى لا يُغرر بهم باسم الدين.
تقبل صيامنا وقيامنا ورفع البلاء عنا.
قم بكتابة اول تعليق