الدكتور رضوان غنيمي : حقيقة التدين وكمال فقه التماس ليلة القدر تقتضي استحضار الروابط الاجتماعية وتعهّد الفئات المعوزة

بقلم الدكتور رضوان غنيمي أستاذ التعليم العالي بكلية المتعددة التخصصات بالسمارة

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدًا.

لقد أكرم الله عز وجل هذه الأمة بتعدد مواسم الخير، وألهمها اغتنام الأيام الفاضلة والساعات المباركة، رحمة بها فمهّد لهم يوم عرفة، والثلث الأخير من الليل، وساعة يوم الجمعة، والدعاء حال السفر والمرض، وفي مواضع السجود وغير ذلك كثير من المواضع والأوقات، لكن يتأكد ذلك ويزداد فضله في ليلة القدر، تلكم المنة العظيمة، والعطية الجليلة من رب العالمين لمن وُفق من عباده، ولا يُصرف عن فضلها وتفيئ ظلالها إلا شقي محروم لا يعادله في الشقاء أحد من الثقلين، وقد اقتضت حكمة الله عز وجل كما هو معلوم ألا يُفصح عن عين هذه الليلة المباركة حملا للناس على التزام الخير وتحري الطاعة أطول مدة ممكنة دفعا لهم لكسب الحسنات والترقي في الدرجات، وحيث إنه لا يجادل أحد في فضل هذه الليلة وعميم فضلها فإن الغرض من هذه السطور هو محاولة إبراز فقه إحيائها وقد جعلها الناس هدفا يسعون إلى تحقيقه و مكرمة يرجون الفوز بها ويحذرون فواتها.

لقد بينت السنة النبوية منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحياء ليلة القدر وهو يلتمسها في العشر الأُول، والعشر الأواسط قبل أن يُنبأ صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر، قال صلى الله عليه وسلم: إنِّي اعْتَكَفْتُ العَشْرَ الأوَّلَ، أَلْتَمِسُ هذِه اللَّيْلَةَ، ثُمَّ اعْتَكَفْتُ العَشْرَ الأوْسَطَ، ثُمَّ أُتِيتُ، فقِيلَ لِي: إنَّهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ، فمَن أَحَبَّ مِنكُم أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ فَاعْتَكَفَ النَّاسُ معهُ(    .

لا أريد أن أخوض في بيان صنوف العبادة التي ارتبطت بهذه الليلة العظيمة من صلاة وتسبيح وذكر ودعاء… وإنما أريد لفت انتباهك أيها المؤمن إلى واقع ينبغي استصحابه وأنت تلتمس ليلة القدر تبغي العفو والعتق والغفران ، نعم إنه الواقع الجديد في ظل تداعيات الوباء حيث مُنعت طائفة من الناس أسباب كسبهم، وهم ولا شك جزء من هذا الواقع الذي نعيش فيه وننشد فيه ليلة القدر، لأجل ذلك ينبغي أن تكون حقيقة التدين وكمال فقه التماس هذه الليلة المباركة مستحضرة لهذه الفئة من الناس، خصوصا وأن روح شريعتنا تدفعنا وتلزمنا ضرورة المسارعة إلى فعل الخير في العادي من الأحوال، فكيف يكون الحال في حالات الضرورة والاستثناء كما هو حال الكثير من الناس اليوم، يقول الله عز وجل “فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ” وأي خير أعظم من سدّ خلّة مؤمن متعفف،وأي فضل أعظم من أن يجتمع لك أجر إحياء ليلة القدر وأجر تفريج الكرب وأجر الصدقة في رمضان، لقد آن الأوان لنرقى بعباداتنا ونفقه المطلوب منا وندرك روح وعمق شريعتنا، لأجل ذلك أقول أن من تمام فقه إحياء ليلة القدر عدم جعلها محصورة في الصلاة والذكر والتلاوة والدعاء بل لابد أن نجعل لباقي صور الخير نصيبا فيها.

عن أي ليلة قدر نتحدث ونحن مضيعون لحقوق الناس؟، عن أي ليلة قدر نتحدث ونحن حديثوا عهد بظلم لغيرنا؟ عن أي ليلة قدر تتحدث وأنت قاطع لرحمك؟ اجعلوا في هذه الليلة لبر الوالدين نصيبا، ولإدخال السعادة على قلب يتيم منكسر نصيبا، اجعلوا منها ليلة لهجر المعاصي والتبرؤ من الذنوب والخطايا، احيوا ليلة القدر بتفقد بيوت المعوزين المتعففين، اجعلوهم يحبون ليلة القدر، اجعلوها ترتبط عندهم بذكرى طيبة من نوالكم، عظموا في نفوس أبنائكم فعل الخير، وعلموهم أن عبادة الله بالمال من أعظم ما يُشكر به الله، وأخبروهم أن الله تعالى يقول: وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ..

 




قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


36 − = 28