الدكتور رضوان غنيمي : صوت العقل يصرخ بضرورة اعتماد صيغة التعليم عن بعد .. على أمل ظهور مؤشرات انفراج الأزمة

جريدة المنبر المغربية : بقلم الدكتور رضوان غنيمي ..أستاذ التعليم العالي بالكلية المتعددة التخصصات بالسمارة

إن القارئ للقرار الحكومي الأخير المتعلق بتأجيل الانطلاق الفعلي للدراسة إلى 10 شتنبر بدل 03  الذي تضمنه البلاغ الحكومي المنعقد، اليوم الاثنين يقف على إشارات قوية بخصوص خطورة الوضع الوبائي بالبلاد في ظل المنحى التصاعدي لعدّاد الإصابات والوفيات المسجلة منذ أسابيع والتي تنبئ عن أوقات عصيبة في الأفق على المستوى الوبائي ما لم نحسن التعامل مع هذه المرحلة التي يبدو أنها ستكون حاسمة في نسبة كبيرة منها، ومع دنو الموسم الدراسي تتجدد تخوفات العقلاء من ضغوطات قطاع التعليم الخاص للدفع بالوزارة إلى إقرار التعليم الحضوري، وقد كانت تجربة السنة الماضية مؤلمة مؤسفة بتحول عدد من المؤسسات التعليمية إلى بؤر وبائية عانى أطرها مع الوباء في صمت، وليس المشكل ها هنا فحسب بل تعدى ذلك بأن نقل التلاميذ عدوى الفيروس إلى آبائهم وذويهم، ويزداد التخوف اليوم مع انتشار متحور دلتا الذي يعدّ الأسرع انتشارا والأشد فتكا، بل وتزداد خطورته في كونه يصيب جميع الشرائح العمرية بأعراض لم يتم ضبطها ولا حصرها إلى يوم الناس هذا، ونرجو ألا تكون محاولة تلقيح التلاميذ خطوة تمهيدية يراد من خلالها توطئة الطريق لإقرار التعليم الحضوري لما ينبني على هذه الخطوة من خطر نشر الفيروس على نطاق أوسع وبشكل أسرع مع استمرار حركية التلاميذ مما سيجعل منهم سهاما قاتلة توجه لذويهم ابتداء ثم باقي المجتمع.

في الحقيقة الحديث عن إمكانية اعتماد نمط التعليم الحضوري الآن من شأنه أن يبعثر الأوراق ويضيع الحقيقة بشكل يجعلنا نتساءل عن حقيقة بواعث تأجيل الدخول المدرسي بسبعة أيام، إذا كان الغرض منه تمكين الأطر الطبية من تلقيح أكبر عدد من التلاميذ هل يتحقق ذلك في هذه الأيام القلائل؟ وإذا كان الباعث على التأجيل خطورة الحالة الوبائية فهل ستتحسن في سبعة أيام؟

إن السلامة والمأمن اليوم يكمن في اعتماد نمط التدريس عن بعد وإلا سنحتاج إلى أن نتساءل من جديد عن مدى قناعتنا حكومة ومجتمعا بجدوى وفعالية التعليم عن بعد الذي أصبح اليوم خيارا استراتيجيا يفرض نفسه اعتبارا لجوانبه الإيجابية المتعددة وعلى رأسها حفظ الأنفس، وهي مقاربة كافية لالتزام هذا النمط التعليمي على الأقل في المرحلة الراهنة في ظل واقع ينبئ بالأسوء على مستوى التطور السلبي للحالة الوبائية، وعدم التزام السواد الأعظم من الناس بالإجراءات الاحترازية في أفق انفراج هذه الأزمة.

إن التخوف من رضوخ وزارة التربية الوطنيةلأصوات القطاع الخاص المطالبة بالنمط الحضوري بدوافع ربحية ضيقة يعتبر ولا شك خطوة انتحارية ومغامرة غير محسوبة العواقب بصحة وسلامة المئات من الأساتذة والآلاف من التلاميذ وأوليائهم.

إن صوت العقل يصرخ بضرورة اعتماد صيغة التعليم عن بعد -على الأقل في الوقت الراهن-على أمل ظهور مؤشرات انفراج الأزمة، وأي قرار آخر من شأنه أن يعمق الأزمة التي نشهد تفاقمها في مختلف جهات المملكة ونحن في عطلة، فكيف يكون حالنا لو خرجت جحافل التلميذات والتلاميذ لتلتحق بالمؤسسات التعليمية؟

إن الحديث عن الدراسة عن بعد اليوم في ظل تنامي خطر الإصابة بوباء كورونا  أصبح خيارا استراتيجيا، و ضرورة شرعية لا محيد عنها، والأمر هنا كما ينبغي أن يفهم أننا لسنا في معرض المقارنة بين التعليم الحضوري والتعليم عن بعد، ولسنا بصدد الدعوة إلى حياة التعليم عن بعد في مقابل موت النمط الحضوري التقليدي ، وإنما هي دعوةلاختيار الأسلم، دعوتنا إلى اعتماد نمط التدريس عن بعد في الحقيقة هو دعوة لاختيار الحياة، ودعوة لصون فلذات الأكباد، ليس الوقت وقت مناقشة مردودية التعليم الحضوري والتعليم عن بعد، وإنما هي دعوة لتبني مقاربة السلامة الصحية لأنها الأولى بالاعتبار الآن، ولطالما كانت هذه المقاربة حاضرة في معظم القرارات الحكومية السابقة بناء على قاعدة المحافظة على الأبدان مقدم على حفظ الأديان،لأجل ذلك نتشبث اليوم بهذا المبدأ الاسلامي لنقرر أن المحافظة على الأبدان والأرواح أولى وآكد من هامش الفرق بين التعليم الحضوري وعن بعد، إن سلّمنا بوجود فرق بين مردودية التعليم الحضوري والتعليم عن بعد، وإلا فمسالة تقييم تجربة التعليم عن بعد في هذه المرحلة فيها ما فيها من التجني على هذه التجربة  ومحاولة إجهاضها.




قم بكتابة اول تعليق

أترك لنا تعليق

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


41 + = 47