
جريدة المنبر المغربية :
بقلم الدكتور رضوان غنيمي أستاذ التعليم العالي بالكلية المتعددة التخصصات بالسمارة
كثيرة هي المفارقات العجيبة الغريبة التي تعيشها الجامعة المغربية، لدرجة يصعب على المتتبع للشأن الجامعي عن قرب أن يصنفها لصعوبة بل واستحالة إدراجها ضمن أي معيار تقيمي منطقي، ولست أريد في هذا المقال تقصي وتتبع صور هذه المفارقات وتجلياتها، لأنها أكثر من أن يستوعبها مقال أو حتى سلسلة مقالات، ولكن استوقفني خبر قرأته اليوم على صفحة إحدى الجرائد الإلكترونية فذكرني بموقف ليس ببعيد عاشه أحد الأساتذة الزملاء في جامعة مغربية مشهود لها وطنيا، فاستشعرت ضرورة الوقوف عند هذا الأمر في وقت لازلنا نعيش فيه آثار خيبة أمل غياب الجامعة المغربية عن تصنيف شنغهاي لأفضل ألف جامعة عبر العالم، ولا أبالغ إذا قلت أن غياب الجامعة المغربية عن هذا التصنيف يعد انتكاسة حقيقية قد لا يستشعر مرارتها إلا من اكتوى بنار حب التميز وهفت نفسه إلى الريادة ممن لا يقبلون بما دون النجوم من ذوي الهمم العاليةمن الشغوفين بالبحث العلمي، الغيورين على هذا الوطن وأبنائه وقليل ما هم.
لا أريد أن أسترسل في هذه الجزئية ولا الوقوف عند أسبابها فحسب حتى لا أكون عدميا ولا جالدا للذات لأجل ذلك أعود للخبر والموقف:
1) فالخبر مفاده أن جامعة مغربية تحفز أساتذتها بمبالغ مالية لإبراز الإنتاج العلمي للجامعة وطنيا ودوليا من خلال الإبداع والنشر في المجلات الدولية المصنفة وفق التصنيف المعتمد من طرف “ScimagoJournal”وقد تراوحت مبالغ المكافأة المخصصة للعلوم الإنسانية بين 5000 و11000 درهم فضلا عن مكافآت خاصة بالمشاركة في المؤتمرات.
خبر جميل ينبئ عن نية حسنة في محاولة تدارك ما فات، علّنا نجد لأنفسنا موطئ قدم في تصنيف شنغهاي العام القابل.
2) الموقف أن أستاذا من المشهود لهم بالحركية العلمية وطنيا ودوليا بجامعة مصنفة وطنيا قدّم أوراق مشاركته في مؤتمر علمي دولي خارج الوطن لعميد كلية قصد استفادته من دعم حركية الأساتذة الباحثين التي يفترض تخصيص ميزانية خاصة لها ضمن ميزانية الكلية فكان جواب إدارة الكلية: أن مثل هذا الطلب يرفع إلى رئاسة الجامعة. أحقا يحتاج هذا الأمر أن يُرجع فيه إلى رئاسة الجامعة؟: أقول ذلك همسا ليلا تسخر منا جامعات العالم”
الغريب أن رئاسة جامعته كانت سباقة إلى تفعيل مضمون الخبر القاضي بدعم حركية الأساتذة الباحثين وتحديد مكافآت مالية لتحفيز الأساتذة على النشر والمشاركات العلمية الإشعاعية.
إذا كانت بعض الأطر الإدارية بالجامعة المغربية ما تزال تفكر بمنطق القرن الماضي كيف يمكنها تنزيل رؤية صاحب الجلالة نصره الله في الانفتاح على الكفاءات المغربية بالخارج؟، كيف ننشد النهوض بالبحث العلمي في بلادنا إذا كان عميد كلية يستعظم دعم مشاركة علمية لأستاذ سيشارك باسم الكلية؟ أليس الأولى والأجدر أن تكون هذه الحركية العلمية هي الأصل؟ لم نتذمر إذن من غياب الإنتاج العلمي للأستاذ الباحث؟
ما أريد أن أخلص إليه من عرض هذا النموذج المؤسف في مقابلة هذه الرغبة المعلن عنها من قبل بعض الجامعات في تحفيز الأساتذة الباحثين على النشر والإبداع هو بيان حالة الانفصام الحاد التي تعيشه الجامعة المغربية في شخص آحاد مسؤوليها، فإما أننا نريد النهوض والإصلاح وهذا يحتاج إلى عزم وإرادة، وإما أننا لا نريد ولكن نرفض أن نظهر بمظهر الذي لا يريد وهذا أ لا يُقبل ممن يفترض فيهم أنهم عيون المجتمع، أظن الوقت قد حان لنقطع مع هذه الازدواجية في المواقف لأن الوضع لم يعد يحتمل، ماذا ننتظر أكثر من أن نُرتَّب في ذيل الأمم وعندنا من الكفاءات المشهود لها ما تقوم له الدنيا ولا تقعد؟، إلى متى يرتبط مصير ومستقبل البحث العلمي بهذا البلد بمزاجية أفراد تحكمهم المصالح الآنية وضيق الأفق؟ كيف يقبل الجامعي المغربي أن تغيب الجامعة المغربية بالكلية عن تصنيف عالمي فيه دول لا تخلو جامعة من جامعاتها من أساتذة مغاربة؟
قم بكتابة اول تعليق