
جريدة المنبر المغربية .. بقلم الدكتور رضوان غنيمي أستاذ التعليم العالي بالكلية المتعددة التخصصات بالسمارة ..
لم يخطر ببالي يوما أن أتحدث عن كرة القدم، وعن أفراد المنتخب الوطني لكرة القدم باعتبارهما رمزان من رموز البلد اللذان استطاعا في فترة وجيزة أن تحققا من الإنجازات ما لم يستطعه الأوائل، لكن الإنصاف يقتضي ذلك، جوانب إيجابية مهمة وكثيرة، بدت تظهر للعيان في رياضة كرة القدم لتعلمنا أن ما كنا نعزوه إلى هذه الرياضة من همجية وانفلات أخلاقي كان مرده إلى أناس بأعيانهم لا لجنس هذه الرياضة، وليس منشأ ذلك التحمس، ولا نشوة الفرح التي غمرت قلوب المغاربة والعرب جميعا، بقدر ماهي حقائق بدت لي وأنا أتابع فعاليات مونديال قطر 2022، بدأ ذلك بالقرارات الجريئة الجميلة التي أشعرتنا بنشوة استشعار الذات، ونحن نرى بلادا مسلمة تنظم تظاهرة رياضية من حجم كأس العالم، ثم تضع شروطها وقوانينها التي خضع لها وقبلها الجميع على بديهيتها في ذاتها، لكن عظّمها في أعيننا انهزام داخلي كان قد عمر في نفوسنا طويلا حتى أخضعها، ونسينا قول القائل: ” إذا قلت فأسمع وإذا ضربت فأوجع فإن العاقبة واحدة”.
علمتنا قيم المنتخب الوطني 2022 أن عنايتنا ببناء وتصحيح قيم زمرة قليلة مؤثرة – هي أفراد المنتخب الوطني- كفيلة بتربية وتصحيح قيم جيل بأكمله، علمتنا أخلاق هذا المنتخب استراتيجية علاجية كنا في غفلة عنها.
جميل أن ترى هذا التنوع القيمي الذي بثه لاعبوا المنتخب الوطني ومعظمهم من الجالية المغربية المقيمة بالخارج، في قلوب ملايين الناس من المغرب وخارجه، علمنا هؤلاء الشباب أن الانتساب إلى الإسلام مدعاة عز وفخر بتكرار سجودهم لله عز وجل بدلالاته الرمزية الجميلة التي استعصى على الكثير فهمها، علمنا المنتخب الوطني أن الانتماء إلى الوطن مدعاة فخر وعز بتكرار التحافهم بعلم بلادهم، علمنا المنتخب أن الانتماء للأسرة والعائلة مدعاة فخر وعز بتكرار مسارعتهم إلى ذويهم عند كل فرحة، علمنا المنتخب أن معانقة الأم والأب مدعاة فخر وعز، واستجلاب رضى الرب بتكرار تقبيل رؤوس أمهاتهم وآبائهم عند كل احتفال.
أخيرا استطاعت كرة القدم أن تنمي في الناس قيم الانتماء لهذا الوطن، استطاعت كرة القدم أن تنجح في تحقيق ما عجزت عنه المؤسسات التعليمية، استطاعت أن تزرع حب النشيد الوطني، في قلوب فئات عريضة من المجتمع بجميع فئاته العمرية المختلفة، والتغني به، بل استطاعت كرة القدم بوصفها قوة ناعمة، أن تروج للمغرب وتاريخه، وأن تعرف به على أوسع نطاق وإلى أبعد الحدود، في مدة لم تتجاوز الشهر حتى أصبح النشيد الوطني مسموعا بجميع لغات العالم، ويتغنى به غير المغاربة بل غير العرب، استطاعت كرة القدم أن تحيي من جديد جدوة العروبة في نفوس أفراد المجتمعات العربية، ووفقا لهذا الكم الهائل من الرمزيات التي تصاحب هذه التظاهرة الرياضية يمكن القول بكل أريحية أن الرياضة قادرة على إعادة تشكيل وبناء المجتمعات إن أحسن استغلالها بوصفها قوة ناعمة نافذة إلى قلوب الملايين ممن تعلق بها من شبابنا .
قم بكتابة اول تعليق