المنبر المغربية ..بقلم الدكتور رضوان غنيمي ..أستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر باكادير ..كلية العلوم الشرعية بالسمارة
اقتضت إرادة الله تعالى أن تكون أعمار هذه الأمة أقصر من أعمار الأمم السابقة، كما اقتضى تمام عدله تعالى أن يخُص هذه الأمة أيضا بأمكنة وأزمنة يتضاعف فيها أجر الطاعات بما يتناسب وقصر أعمارها، فاختار تعالى من الأمكنة مكة المكرمة ليضاعف فيها أجر العبادة، فقال صلى الله عليه وسلم “صلاة في المسجد الحرام خير من مائة ألف صلاة فيما سواه ” ثم المدينة المنورة فقال صلى الله عليه وسلم ” صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ” ثم المسجد الأقصى عن أبي ذر – رضي الله عنه – قال : تذاكرنا ونحن عند رسول الله – صلى الله عليه وسلّم : أيهما أفضل ، أمسجد رسول الله – صلى الله عليه وسلّم – أم بيت المقدس ؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلّم : صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه ” .
ثم خص هذه الأمة أيضا بأزمنة مباركة تتضاعف فيها الحسنات ويعظم فيها الأجرفجعل شهر رمضان وفيه ليلة القدر وهي خير من ألف شهر ثم خص ليالي مجتمعة فيه هي العشر الأواخر، وأياما منفردة هي تاسوعاء وعاشوراء، ثم اصطفى من الأسبوع أياما جعل الجمعة أفضلها فقال صلى الله عليه وسلم: “أفضل أيامكم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة”وقال أيضا ” في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله خيرا إلا أعطاه ” ..
ومن أعظم هذه الأزمنة التي يجب اغتنامها العشر الأوائل من ذي الحجة وقد أظلنا زمانها وقد أقسم بها ربنا بيانا لفضلها في قول تعالى ” والفجر وليال عشر”
لا خلاف أن فضائل هذه الأيام مما يطول شرحه ويصعب حصره وليس هذا الغرض من هذه السطور بقد ما أود لفت الانتباه إلى ضرورة اغتنامها في ظل هذه الظروف الاستثنائية التي طبعت أعياد هذا العام، أيام العشر من ذي الحجة زمن كورونا لا ينفي عنها كونها أفضل أيام الدنيا كما بين النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ” أفضل أيام الدنيا أيام العشر” وقد وجهنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة اغتنامها بالعمل الصالح دون تخصيص عمل معين فقال صلى الله عليه وسلم: « ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام – يعني أيام العشر- »
ولعل هذا من مظاهر سعة رحمة هذا الدين، ليبقى الباب مفتوحا أمام المكلفين كل حسب طاقته، وإنما كان لهذه الأيام هذا الفضل على غيرها لأنه قد اجتمع فيها ما لم يجتمع في غيرها من أمهات العبادات ففيها يوم عرفة يوم العتق من النار الذي يكفر الله بصيامه سنة قبله وسنة بعده،وفيها يوم النحر وهو أعظم الأيام على الإطلاق وفيها يوم القر، وأيام التشريق .
وبالتالي ليس الأمر محصورا في أحد متعلقات هذه العشر التي هي الأضحية يوم النحر، شُغلُ الناس الشاغل متى هلَّ هلال ذي الحجة، حتى لا حديث لهم ولا انشغال إلا بأضحية العاشر منه بشكل يفوت عليهم اغتنام فضائل هذه العشر، بل قد يقود بعضهم إلى تَلمُّس الخلاص في الربا لتأمين هذه الأضحية في الظروف العادية، فكيف يكون حالهم ياترى في ظروف استثنائية زمن كورونا ؟ ولعل هذه من المفارقات العجيبة الغريبة أن يُعبد الله بالمعصية ، ولعل جهل الناس بحقيقة هذه الشعيرة وحجم هذا النسك من الدين سبب هذه الظواهر المشينة المبرزة لتحول قيم الناس إلى درجة انتقالهم ببعض تشريعات دينهم من مرتبة العبادة إلى مرتبة العادة المحكمة التي يصعب عليهم تجاوزها، إن حقيقة الأضحى أنها شعيرة يظهر المسلم من خلالها خضوعه واستسلامه لأمر ربه، والخضوع والاستسلام لا يُظهر بالمعصية .
بارك الله أعيادكم ورفع البلاء عنا وعنكم .
قم بكتابة اول تعليق